رمضان بطعم الإحسان نفحات رمضانية
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
رمضان بطعم الإحسان نفحات رمضانية
رمضان بطعم الإحسان
نفحات رمضانية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
لحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين،
وبعد،،،
فإن من أعظم ما تقضى به الأوقات طاعة الله تعالى وبذل ثمن الجنة ومحاولة الفكاك من النار بسلوك طريق الآخرة، وطريق الآخرة وعرة مصداقاً لقول الحبيب “حفت الجنة بالمكاره”، تكتنفها الصعاب، وتعتريها السهول والوديان، ويحفها قطاع الطرق، وخليق بكل من أراد السير على هذا الطريق أن يلتمس خريتاً ينأى به عن مكامن القطاع، ويرشده سبل الهدى، ويبتعد به عن أوعر الطرقات أو ما كان منها مسدوداً، وأقوم خريت في زمن المحن هدي سيد المرسلين ونهج أتباعه الصالحين.
وقد قرّ في الأذهان أن الأزمنة الفاضلة هي أنسب أوقات الجد والاجتهاد، وخير أوقات قطع المسافات، مما يجعل أولي العزم من الناس حرياً بهم أن يتواصوا مشمرين عن ساعد الجد مصداقاً لقوله تعالى: “وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر”، في مثل هذه الأزمنة.
وإن الذي لا يماري فيه أحد من العقلاء أن شهر رمضان هو من خير الأزمنة بل أفضلها، خصت أيامه ولا أقول لياليه بالفضل والبركة حتى غدت لياليه أياماً مضيئة، يقطع فيه السالك مسافات الآخرة، وتجتاز فيه القلوب أغوار المعاني الزاخرة.
كان هذا لرمضان قبل أن تتعاظم همم قطاع طريق السالك، لصرف طاقاته، وتشتيت اهتماماته حتى يخرج من تلك الأوقات الفاخرة بعزيمة ناخرة وهمة فاترة، ففرغوا رمضان من مضمونه، وسودوا نهاره بمعاص سوداء كقطع الليل المظلم … فحق علينا قول القائل:
غدت أيامنا سوداً وقد كانت بكم بيضا ليالينا
فحق لأهل العزيمة الوقادة والهمة الوضاءة، أن يلبوا أمر ربهم بالتواصي المأذون به، فلما لم يقم لذلك الواجب إلا قلة قالة اندفع من لم يكن لهم الحق في خوض هذا الميدان ليسدوا الثغرة، يشد من أزرهم ما شهدوا من تغير أحوال الناس في رمضان، ليكون فيه الصوم- الإمساك – عن مباحات الأصل من شراب وطعام، وترك الإمساك المأمور به أيضاً عن ما حرم في الأصل من الغيبة ومختلف أنواع الحرام .
فحذا بنا هذا وذاك – يتقدمهما اعتقاد بأن الأمة لو أعدت لمثل هذا الموسم لولدت ولادة جديدة ولكان لها شان آخر- أن نجمع هذه القواعد المفيدة في كيفية الإعداد والاستعداد للمواسم الرغيدة، والتي من شانها أن تشد الهمة وتولد المهمة.
أما هذه القواعد فهي:-
1. بعث واستثارة الشوق إلى الله، تجنبا لقوله r : ” إن الإيمان ليخلق في قلب أحدكم كما يخلق الثوب الخلق”، واصل القضية معونة من الله ومؤونة من العبد، وعلى قدر المؤونة (الرغبة والإرادة) تكون المعونة، فالبدء من العبد والجزاء من الله، مصداقاً لقوله تعالى: “اذكروني أذكركم”، وقوله: “ادعوني استجب لكم”، وقوله في الحديث القدسي: إن تقربت إلي باعاً تقربت إليك ذراعاً “، إذاً فلا بد من استثارة الشوق إلى الله تعالى المُفنَى بالإغراق في الشهوات وعدم التنزه عن الشبهات، لنذوق حلاوة العبادة ولذة الطاعة برفع شعار “وعجلت إليك رب لترضى”.
ومن عوامل بعث الشوق:-
أ- تدبر كلام الله وفهم خطابه للوصول إلى تجليات ذاته وتحقيق معاني محبته، ومن هذا ما كان من أبي الدحداح عندما سمع خطاب الله تعالى: “من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسنا”، فعمد إلى بستان له ووضعه بين يدي النبي r امتثالاً للأمر ورغبة في الجزاء، بل لعلها صدق المحبة.
ب- مطالعة سنن الله العظيمة، فان النفس مفطورة على حب المحسن المتكرم
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان
ج- استحضار ما فات من زمان دون طاعة، فان هذا خليق به أن يدفع الإنسان إلى ربه نادماً عن ما كان منه من قلى.
د- النظر إلى أهل الطاعة ومقايسة النفس معهم وفي هذا قال تعالى: “وسارعوا إلى مغفرة من ربكم”، وقال أيضا: “وسابقوا إلى جنة”، وقال أيضا: ” وفي ذلك فليتنافس المتنافسون”، واعلم أخي في الله أن مضاعفة هذه الأمور قبل رمضان من اعز الطلبات لتحقيق الأنس المتأتي من مناجاة رب الأرض والسماوات.
هـ- رجاء الله في إجابة الطلبات، فان الإنسان جبل على محبة الخير لنفسه، وفطر على استدراره، وهذا حري به أن يدفع صاحبه للعودة إلى الله مناجياً، فقد ثبت في العقول أن تقديم الوسيلة على المسؤول ادعى في الإجابة والقبول.
و- الرغبة في رؤية الله والتنعم في رفقة حبيبه، والتي من شانها أن تولد عند الإنسان طاقة تقعده الليالي وتظمئه الأيام.
ز. الحذر من اللصوص وقطاع الطرق، واعني بهم حب الشهوات وطول الأمل واتباع الهوى.
فإذا كنت مشتاقاً إلى الله فارفع من همتك وامض إلى الله …
فحيّهــــلا إن كنت ذا همة فقــــد حدا بك حادي الشوق فاطو المراحلا
ولا تنتظر بالسيـــر رفقة قاعــد ودعـــه فلان العزم يكفيك حامـــلا
2. معرفة فضل المواسم ومنة الله فيها، وفرصة العبد منها، والقلم يقف عاجزاً عن الكتابة في هذا الموضع، فأي كلام يقال في فضل رمضان بعد حديث رسول الله r :”قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد في رزق المؤمن فيه، من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيء. قالوا يا رسول الله: ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، فقال رسول الله: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو على شربة ماء أو مِذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار من خفف عن مملوكه فيه غفر الله له واعتقه من النار،واستكثروا فيه من أربع خصال:- خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غناء بكم عنهما. فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا اله إلا الله وتستغفرونه،وأما الخصلتان اللتان لا غناء بكم عنهما، تسالون الله الجنة وتعوذون به من النار، ومن سقى صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة”.
كما لا ينبغي للسالك أن ينسى من فضائل الشهر ما فيه من حضور محاضر الأنس وما يسد فيه من حواضر البؤس، واعلم أخي أن فضل رمضان بين الشهور كفضل الجمعة بين الأيام، وفضل الأنبياء على سائر الأنام، فرمضان واسطة عقدهم ونقش فصهم، واحرص على الاستزادة في معرفة ما لرمضان من فضل بمطالعة ما ورد فيه من اثر، واستحضار ما اعد لصائمه من اجر، وما ينال من شرف على الاجتهاد، وما يفتح الله فيه من إجابة دعاء.
3. رفع العزيمة والهمة بممارسة تمارينها الشرعية، فإذا كانت العزيمة عند الأصوليين تعني الإتيان بالعبادة على وجهها أو بني على خلاف الرخص فان العزيمة عند أهل الطريقة تعني استجماع قوى الإرادة على الفعل.
ومن تمارين العزيمة التي مارسها الشرع في رفع الهمة لرمضان أن سن صيام شعبان ووصى على المحافظة على السنن، فالحفاظ عليها بمثابة توطئة للنفس على الفريضة، وأن غفر الذنوب في النصف من شعبان للإقبال على الله بالشكر في رمضان، وان حث على المنافسة في العبادة.
واعلم أخي أن العزيمة لا تكون إلا في المكره لان النفس تقبل على المجيب دون تعب وكد فاحتيجت العزيمة لمجاهدة النفس على الطاعة.
كما ترفع العزيمة بمطالعة قصص الصالحين والسير على دربهم ورفع شعاراتهم “إذا نافسك رجل في الدين فنافسه، وان نافسك في الدنيا فاتركها له”.
فتشبهوا بهم إن لم تكونوا مثلهم إن التشبــــه بالكـــرام فــــلاح
4. نبذ البطالة والباطلين ومصاحبة ذوي الهمم. أما نبذ الباطلين فحاجة ملحة لمن كان له مع أهل السوء أحوال، وكلنا يعرف قصة القاتل مئة نفس، حين طلب منه أن يغير أرضه، وأحب أن انقل هنا كلاماً للراشد في هذا المضمار، حيث قال: ” والبرهان الذي يعطيه السالكون علامة لصدقهم أنهم يأبون غلا الهجرة والانضمام القافلة، ويذرون كل رفيق يثبطهم ويزين لهم ايثار السلامة، ينتفضون ويهجرون كل قاعد، ويهاجرون مع المهاجرين إلى الله ويطرحون أغلال الشهوات وحب الأموال من قلوبهم “. اهـ
وقد قال تعالى: “واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم …”، وقال: “اتقوا الله وكونوا مع الصادقين”، وقال طائفة من سلف الأمة راحة الرجل غفلة، فلا تفرح أخي بصحبة من اثر الراحة على العبادة بقيام ساعة من الليل فان من الناس من ينام ساعة من الليل فهو أولى بك وأجدر بالرفقة. فحريّ بك أن تطلب لهذا الشهر معيناً على الطاعة، وان تبحث لك في الناس على إخوة يتواصون معك على الحق ويذكرونك بالصبر. وقد قال الحسن: “إخواننا أحب إلينا من أهلنا فهم يذكروننا بالله وأهلنا يذكروننا بالدنيا “.
5. إعداد قائمة بالعيوب الموجودة والحسنات ( الخصال الطيبة )المفقودة، والسعي إلى التكميل مع الحفاظ على التقويم اليومي.
وقد أخرج البخاري في صحيحه “أن المؤمن يرى كأنه قاعد تحت جبل يخشى أن يقع عليه، وان الفاجر يرى ذنوبه كذباب حط على انفه فقال به كذا…”
ولتكن منك هذه الخطوة في السعي إلى التمام.
ولم أر في عيوب الناس شيئاً كنقص القادرين علــى التمــام
وارفع من عزيمتك في سد ثغراتك فان العزائم على قدر العزم.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
واترك قول القائل الممني نفسه بعيبه، المتناسي ظلمة النفس بما سار من خصال.
من ذا الذي ترجى سجاياه كلها كفى بالمرء نبلاً أن تعد معايبه
واعلم أن إصلاح النفس المنشود طريق لتحصيل الخير المعدود، ولكن هذا يفتقر إلى إعداد ومجهود، لان سلعة الله غالية فسلعة الله الجنة، ومن يطلب الحسناء لا يغله المهر.
فمن ثقلت همته عن إصلاح نفسه واستئصال الداء، فان رمضان فرصة مواتية لتحقيق المقصود؛ لما فيه من ميزات، ففيه إمساك عن شهوة البطن والفرج وهي مادة النشوز والعصيان، والشياطين فيه مصفدة وهي أساس الطغيان، والطاعة جماعية تحيي كل عزيمة، وتوقظ النائم الوسنان، كما فتح الله فيه باباً للتسجيل في ديوان العتقاء والتائبين والمقبولين، حتى قال رسول الله: “خاب وخسر من أدرك رمضان ولم يغفر له”.
6. استحضار أنواع الطاعات، وتقييد وتوطين العزيمة على أدائها، وعلى هذا يحمل ما ورد من فضائل رمضان في أحاديث سيدنا رسول الله r ، إذ إن غالبها كان قبل دخول الشهر، ولذلك أخطا من منى نفسه بأماني العزيمة دون أن يجد قبل ولوج الشهر، فتراه يحلم في منازل الولاية، وان يكون في محط الرعاية، دون أن يسبق ذلك إعداد ودراية، فهذا حاله حال من طمع في نوال القرب ولم يستكمل زاد المسير، أو كالذي ذهب إلى سوق بلا مال، فلا يجهد نفسه في المساومة، بل يقال له تنكب لا يقطرك الزحام.
7. الإعداد للطاعة ومحاسبة النفس عليها، وهذان أمران رغم تباينهما متداخلان لوقوعهما عقب بعضهما، أما الإعداد فهو علامة التوفيق ودليل الصدق في الفعل “ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة”، أما المحاسبة فهي فحص الطاعة ظاهراً وباطناً وأولاً وأخراً بحثاً عن الثمرة ليعرف مأتاها وقدرها فينميه، ووصولاً للنقص سابقاً ليتداركه لاحقاً، والمحاسبة تكون قبل العمل بالاستعداد والاستحضار، وخلاله بالمراقبة الظاهرة والباطنة، وبعده بإعادته والمواظبة عليه وفحص أثره في النفس.
8. مطالعة أحكام الصيام وما يتعلق بشهر رمضان من أحكام، فالعمل الصالح مفتقر لعلم نافع، ولذلك قدمت عبادة العالم على غيره، وسئل الإمام احمد: أيهما خير، عالم مقتصد ما جاهل مجتهد، فأجاب:إن قلة الزاد مع العلم بالطريق موصلة للمقصود وان كثرته مع الجهل بالطريق حائلة عن المقصود، وقال آخر: العلم يدعو للعمل، إن يلفه قرّ وإلا فارتحل.
9. إعداد النفس لتذوق عبادة الصبر، فقد قال تعالى: “وما يلقاها إلا الذين صبروا”
ولا بد من الصبر على العبادة لقوله تعالى: “واستعينوا بالصبر والصلاة”، واضرب الصبر ثلاثة: صبر على الطاعة، وصبر على المعاصي، وصبر على البلايا، وأهل الطاعة يفتقرون إلى الضرب الثالث أكثر من غيره، فهم عرضة للابتلاء لتحقيق التمحيص أو رقي الدرجات، وأنواع الصبر هي أوسمة الولاية وقلادات الإمامة، فالإمامة تنال بالصبر واليقين، الم تر إلى قوله تعالى: “وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون”.
واعلم أخي أن اظهر معاني الصبر، حبس النفس عن المكرمة، وهي أصعب المنازل على العامة وأوحشها في طريق المحبة.
10. إحياء الطاعات المهجورة والعبادات الغائبة، ومن العبادات التي غفل عنها الناس:
أ. الاستغفار بالأسحار.
ب. التفكر والتأمل في مخلوقات الله وعجائب قدرته، وهي اصل طريق اليقين القائد لان تكون محط الرعاية والإجابة.
ج. التبتل، وهو الانقطاع لله.
د. الصدقة والنفقة.
هـ. تحديث النفس بالغزو والجهاد، وإعداد لذلك العدة والعتاد.
فإذا تيقظت أخي في الله لهذه القضايا فلا تغفل من أن توسع مشهدك لرمضان، فلا تقصر معنى العبادة على الصلاة والصيام، بل تجاوزها بمشهد الأنس لتنعم بمناجاة رب الأكوان، وانو لشهرك نية صالحة، فالبنيات يغير الله أحوال الكائنات، واقصد من شهرك أن تكون محسناً، وضع لنفسك في شهرك خطة واضحة المعالم، وامض إليها تاركاً ما يشغلك من العوالم، وحافظ على العبادة بالأخلاق القويمة، فالله قد بين أن المؤمنين المفلحين على صلاتهم يحافظون، والصلاة كناية عن كل عبادة، ليكون معنى الآية أن المفلحين على اجر عبادتهم يحافظون، فلا يضيعوا ما كسبوا بالسيئ من الأعمال، واحذر ختاماً من قطاع الطرق ولصوص القلوب، وأظهرهم في رمضان ما يعتري الإنسان، ويعتوره من الفتور والسامة والملل.
والحمد لله رب العالمين
نفحات رمضانية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
لحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين،
وبعد،،،
فإن من أعظم ما تقضى به الأوقات طاعة الله تعالى وبذل ثمن الجنة ومحاولة الفكاك من النار بسلوك طريق الآخرة، وطريق الآخرة وعرة مصداقاً لقول الحبيب “حفت الجنة بالمكاره”، تكتنفها الصعاب، وتعتريها السهول والوديان، ويحفها قطاع الطرق، وخليق بكل من أراد السير على هذا الطريق أن يلتمس خريتاً ينأى به عن مكامن القطاع، ويرشده سبل الهدى، ويبتعد به عن أوعر الطرقات أو ما كان منها مسدوداً، وأقوم خريت في زمن المحن هدي سيد المرسلين ونهج أتباعه الصالحين.
وقد قرّ في الأذهان أن الأزمنة الفاضلة هي أنسب أوقات الجد والاجتهاد، وخير أوقات قطع المسافات، مما يجعل أولي العزم من الناس حرياً بهم أن يتواصوا مشمرين عن ساعد الجد مصداقاً لقوله تعالى: “وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر”، في مثل هذه الأزمنة.
وإن الذي لا يماري فيه أحد من العقلاء أن شهر رمضان هو من خير الأزمنة بل أفضلها، خصت أيامه ولا أقول لياليه بالفضل والبركة حتى غدت لياليه أياماً مضيئة، يقطع فيه السالك مسافات الآخرة، وتجتاز فيه القلوب أغوار المعاني الزاخرة.
كان هذا لرمضان قبل أن تتعاظم همم قطاع طريق السالك، لصرف طاقاته، وتشتيت اهتماماته حتى يخرج من تلك الأوقات الفاخرة بعزيمة ناخرة وهمة فاترة، ففرغوا رمضان من مضمونه، وسودوا نهاره بمعاص سوداء كقطع الليل المظلم … فحق علينا قول القائل:
غدت أيامنا سوداً وقد كانت بكم بيضا ليالينا
فحق لأهل العزيمة الوقادة والهمة الوضاءة، أن يلبوا أمر ربهم بالتواصي المأذون به، فلما لم يقم لذلك الواجب إلا قلة قالة اندفع من لم يكن لهم الحق في خوض هذا الميدان ليسدوا الثغرة، يشد من أزرهم ما شهدوا من تغير أحوال الناس في رمضان، ليكون فيه الصوم- الإمساك – عن مباحات الأصل من شراب وطعام، وترك الإمساك المأمور به أيضاً عن ما حرم في الأصل من الغيبة ومختلف أنواع الحرام .
فحذا بنا هذا وذاك – يتقدمهما اعتقاد بأن الأمة لو أعدت لمثل هذا الموسم لولدت ولادة جديدة ولكان لها شان آخر- أن نجمع هذه القواعد المفيدة في كيفية الإعداد والاستعداد للمواسم الرغيدة، والتي من شانها أن تشد الهمة وتولد المهمة.
أما هذه القواعد فهي:-
1. بعث واستثارة الشوق إلى الله، تجنبا لقوله r : ” إن الإيمان ليخلق في قلب أحدكم كما يخلق الثوب الخلق”، واصل القضية معونة من الله ومؤونة من العبد، وعلى قدر المؤونة (الرغبة والإرادة) تكون المعونة، فالبدء من العبد والجزاء من الله، مصداقاً لقوله تعالى: “اذكروني أذكركم”، وقوله: “ادعوني استجب لكم”، وقوله في الحديث القدسي: إن تقربت إلي باعاً تقربت إليك ذراعاً “، إذاً فلا بد من استثارة الشوق إلى الله تعالى المُفنَى بالإغراق في الشهوات وعدم التنزه عن الشبهات، لنذوق حلاوة العبادة ولذة الطاعة برفع شعار “وعجلت إليك رب لترضى”.
ومن عوامل بعث الشوق:-
أ- تدبر كلام الله وفهم خطابه للوصول إلى تجليات ذاته وتحقيق معاني محبته، ومن هذا ما كان من أبي الدحداح عندما سمع خطاب الله تعالى: “من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسنا”، فعمد إلى بستان له ووضعه بين يدي النبي r امتثالاً للأمر ورغبة في الجزاء، بل لعلها صدق المحبة.
ب- مطالعة سنن الله العظيمة، فان النفس مفطورة على حب المحسن المتكرم
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان
ج- استحضار ما فات من زمان دون طاعة، فان هذا خليق به أن يدفع الإنسان إلى ربه نادماً عن ما كان منه من قلى.
د- النظر إلى أهل الطاعة ومقايسة النفس معهم وفي هذا قال تعالى: “وسارعوا إلى مغفرة من ربكم”، وقال أيضا: “وسابقوا إلى جنة”، وقال أيضا: ” وفي ذلك فليتنافس المتنافسون”، واعلم أخي في الله أن مضاعفة هذه الأمور قبل رمضان من اعز الطلبات لتحقيق الأنس المتأتي من مناجاة رب الأرض والسماوات.
هـ- رجاء الله في إجابة الطلبات، فان الإنسان جبل على محبة الخير لنفسه، وفطر على استدراره، وهذا حري به أن يدفع صاحبه للعودة إلى الله مناجياً، فقد ثبت في العقول أن تقديم الوسيلة على المسؤول ادعى في الإجابة والقبول.
و- الرغبة في رؤية الله والتنعم في رفقة حبيبه، والتي من شانها أن تولد عند الإنسان طاقة تقعده الليالي وتظمئه الأيام.
ز. الحذر من اللصوص وقطاع الطرق، واعني بهم حب الشهوات وطول الأمل واتباع الهوى.
فإذا كنت مشتاقاً إلى الله فارفع من همتك وامض إلى الله …
فحيّهــــلا إن كنت ذا همة فقــــد حدا بك حادي الشوق فاطو المراحلا
ولا تنتظر بالسيـــر رفقة قاعــد ودعـــه فلان العزم يكفيك حامـــلا
2. معرفة فضل المواسم ومنة الله فيها، وفرصة العبد منها، والقلم يقف عاجزاً عن الكتابة في هذا الموضع، فأي كلام يقال في فضل رمضان بعد حديث رسول الله r :”قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد في رزق المؤمن فيه، من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيء. قالوا يا رسول الله: ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، فقال رسول الله: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو على شربة ماء أو مِذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار من خفف عن مملوكه فيه غفر الله له واعتقه من النار،واستكثروا فيه من أربع خصال:- خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غناء بكم عنهما. فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا اله إلا الله وتستغفرونه،وأما الخصلتان اللتان لا غناء بكم عنهما، تسالون الله الجنة وتعوذون به من النار، ومن سقى صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة”.
كما لا ينبغي للسالك أن ينسى من فضائل الشهر ما فيه من حضور محاضر الأنس وما يسد فيه من حواضر البؤس، واعلم أخي أن فضل رمضان بين الشهور كفضل الجمعة بين الأيام، وفضل الأنبياء على سائر الأنام، فرمضان واسطة عقدهم ونقش فصهم، واحرص على الاستزادة في معرفة ما لرمضان من فضل بمطالعة ما ورد فيه من اثر، واستحضار ما اعد لصائمه من اجر، وما ينال من شرف على الاجتهاد، وما يفتح الله فيه من إجابة دعاء.
3. رفع العزيمة والهمة بممارسة تمارينها الشرعية، فإذا كانت العزيمة عند الأصوليين تعني الإتيان بالعبادة على وجهها أو بني على خلاف الرخص فان العزيمة عند أهل الطريقة تعني استجماع قوى الإرادة على الفعل.
ومن تمارين العزيمة التي مارسها الشرع في رفع الهمة لرمضان أن سن صيام شعبان ووصى على المحافظة على السنن، فالحفاظ عليها بمثابة توطئة للنفس على الفريضة، وأن غفر الذنوب في النصف من شعبان للإقبال على الله بالشكر في رمضان، وان حث على المنافسة في العبادة.
واعلم أخي أن العزيمة لا تكون إلا في المكره لان النفس تقبل على المجيب دون تعب وكد فاحتيجت العزيمة لمجاهدة النفس على الطاعة.
كما ترفع العزيمة بمطالعة قصص الصالحين والسير على دربهم ورفع شعاراتهم “إذا نافسك رجل في الدين فنافسه، وان نافسك في الدنيا فاتركها له”.
فتشبهوا بهم إن لم تكونوا مثلهم إن التشبــــه بالكـــرام فــــلاح
4. نبذ البطالة والباطلين ومصاحبة ذوي الهمم. أما نبذ الباطلين فحاجة ملحة لمن كان له مع أهل السوء أحوال، وكلنا يعرف قصة القاتل مئة نفس، حين طلب منه أن يغير أرضه، وأحب أن انقل هنا كلاماً للراشد في هذا المضمار، حيث قال: ” والبرهان الذي يعطيه السالكون علامة لصدقهم أنهم يأبون غلا الهجرة والانضمام القافلة، ويذرون كل رفيق يثبطهم ويزين لهم ايثار السلامة، ينتفضون ويهجرون كل قاعد، ويهاجرون مع المهاجرين إلى الله ويطرحون أغلال الشهوات وحب الأموال من قلوبهم “. اهـ
وقد قال تعالى: “واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم …”، وقال: “اتقوا الله وكونوا مع الصادقين”، وقال طائفة من سلف الأمة راحة الرجل غفلة، فلا تفرح أخي بصحبة من اثر الراحة على العبادة بقيام ساعة من الليل فان من الناس من ينام ساعة من الليل فهو أولى بك وأجدر بالرفقة. فحريّ بك أن تطلب لهذا الشهر معيناً على الطاعة، وان تبحث لك في الناس على إخوة يتواصون معك على الحق ويذكرونك بالصبر. وقد قال الحسن: “إخواننا أحب إلينا من أهلنا فهم يذكروننا بالله وأهلنا يذكروننا بالدنيا “.
5. إعداد قائمة بالعيوب الموجودة والحسنات ( الخصال الطيبة )المفقودة، والسعي إلى التكميل مع الحفاظ على التقويم اليومي.
وقد أخرج البخاري في صحيحه “أن المؤمن يرى كأنه قاعد تحت جبل يخشى أن يقع عليه، وان الفاجر يرى ذنوبه كذباب حط على انفه فقال به كذا…”
ولتكن منك هذه الخطوة في السعي إلى التمام.
ولم أر في عيوب الناس شيئاً كنقص القادرين علــى التمــام
وارفع من عزيمتك في سد ثغراتك فان العزائم على قدر العزم.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
واترك قول القائل الممني نفسه بعيبه، المتناسي ظلمة النفس بما سار من خصال.
من ذا الذي ترجى سجاياه كلها كفى بالمرء نبلاً أن تعد معايبه
واعلم أن إصلاح النفس المنشود طريق لتحصيل الخير المعدود، ولكن هذا يفتقر إلى إعداد ومجهود، لان سلعة الله غالية فسلعة الله الجنة، ومن يطلب الحسناء لا يغله المهر.
فمن ثقلت همته عن إصلاح نفسه واستئصال الداء، فان رمضان فرصة مواتية لتحقيق المقصود؛ لما فيه من ميزات، ففيه إمساك عن شهوة البطن والفرج وهي مادة النشوز والعصيان، والشياطين فيه مصفدة وهي أساس الطغيان، والطاعة جماعية تحيي كل عزيمة، وتوقظ النائم الوسنان، كما فتح الله فيه باباً للتسجيل في ديوان العتقاء والتائبين والمقبولين، حتى قال رسول الله: “خاب وخسر من أدرك رمضان ولم يغفر له”.
6. استحضار أنواع الطاعات، وتقييد وتوطين العزيمة على أدائها، وعلى هذا يحمل ما ورد من فضائل رمضان في أحاديث سيدنا رسول الله r ، إذ إن غالبها كان قبل دخول الشهر، ولذلك أخطا من منى نفسه بأماني العزيمة دون أن يجد قبل ولوج الشهر، فتراه يحلم في منازل الولاية، وان يكون في محط الرعاية، دون أن يسبق ذلك إعداد ودراية، فهذا حاله حال من طمع في نوال القرب ولم يستكمل زاد المسير، أو كالذي ذهب إلى سوق بلا مال، فلا يجهد نفسه في المساومة، بل يقال له تنكب لا يقطرك الزحام.
7. الإعداد للطاعة ومحاسبة النفس عليها، وهذان أمران رغم تباينهما متداخلان لوقوعهما عقب بعضهما، أما الإعداد فهو علامة التوفيق ودليل الصدق في الفعل “ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة”، أما المحاسبة فهي فحص الطاعة ظاهراً وباطناً وأولاً وأخراً بحثاً عن الثمرة ليعرف مأتاها وقدرها فينميه، ووصولاً للنقص سابقاً ليتداركه لاحقاً، والمحاسبة تكون قبل العمل بالاستعداد والاستحضار، وخلاله بالمراقبة الظاهرة والباطنة، وبعده بإعادته والمواظبة عليه وفحص أثره في النفس.
8. مطالعة أحكام الصيام وما يتعلق بشهر رمضان من أحكام، فالعمل الصالح مفتقر لعلم نافع، ولذلك قدمت عبادة العالم على غيره، وسئل الإمام احمد: أيهما خير، عالم مقتصد ما جاهل مجتهد، فأجاب:إن قلة الزاد مع العلم بالطريق موصلة للمقصود وان كثرته مع الجهل بالطريق حائلة عن المقصود، وقال آخر: العلم يدعو للعمل، إن يلفه قرّ وإلا فارتحل.
9. إعداد النفس لتذوق عبادة الصبر، فقد قال تعالى: “وما يلقاها إلا الذين صبروا”
ولا بد من الصبر على العبادة لقوله تعالى: “واستعينوا بالصبر والصلاة”، واضرب الصبر ثلاثة: صبر على الطاعة، وصبر على المعاصي، وصبر على البلايا، وأهل الطاعة يفتقرون إلى الضرب الثالث أكثر من غيره، فهم عرضة للابتلاء لتحقيق التمحيص أو رقي الدرجات، وأنواع الصبر هي أوسمة الولاية وقلادات الإمامة، فالإمامة تنال بالصبر واليقين، الم تر إلى قوله تعالى: “وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون”.
واعلم أخي أن اظهر معاني الصبر، حبس النفس عن المكرمة، وهي أصعب المنازل على العامة وأوحشها في طريق المحبة.
10. إحياء الطاعات المهجورة والعبادات الغائبة، ومن العبادات التي غفل عنها الناس:
أ. الاستغفار بالأسحار.
ب. التفكر والتأمل في مخلوقات الله وعجائب قدرته، وهي اصل طريق اليقين القائد لان تكون محط الرعاية والإجابة.
ج. التبتل، وهو الانقطاع لله.
د. الصدقة والنفقة.
هـ. تحديث النفس بالغزو والجهاد، وإعداد لذلك العدة والعتاد.
فإذا تيقظت أخي في الله لهذه القضايا فلا تغفل من أن توسع مشهدك لرمضان، فلا تقصر معنى العبادة على الصلاة والصيام، بل تجاوزها بمشهد الأنس لتنعم بمناجاة رب الأكوان، وانو لشهرك نية صالحة، فالبنيات يغير الله أحوال الكائنات، واقصد من شهرك أن تكون محسناً، وضع لنفسك في شهرك خطة واضحة المعالم، وامض إليها تاركاً ما يشغلك من العوالم، وحافظ على العبادة بالأخلاق القويمة، فالله قد بين أن المؤمنين المفلحين على صلاتهم يحافظون، والصلاة كناية عن كل عبادة، ليكون معنى الآية أن المفلحين على اجر عبادتهم يحافظون، فلا يضيعوا ما كسبوا بالسيئ من الأعمال، واحذر ختاماً من قطاع الطرق ولصوص القلوب، وأظهرهم في رمضان ما يعتري الإنسان، ويعتوره من الفتور والسامة والملل.
والحمد لله رب العالمين
الزعيم- مشرف عام
- عدد المساهمات : 758
نقاط : 58136
التقيم : 0
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
العمر : 34
الموقع : عين الملح
رد: رمضان بطعم الإحسان نفحات رمضانية
شكرا اخ الزعيم مواضيع هادفة
طارق 4002- عدد المساهمات : 65
نقاط : 53389
التقيم : 0
تاريخ التسجيل : 02/05/2010
مواضيع مماثلة
» نصائح رمضانية
» طرائف رمضانية
» للشباب فقط في رمضان
» مواضيع رمضانية بور بونت جميلة جدا
» يا جماعة شهر رمضان قريب
» طرائف رمضانية
» للشباب فقط في رمضان
» مواضيع رمضانية بور بونت جميلة جدا
» يا جماعة شهر رمضان قريب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى